جمال عبدالصمد
نجم أعاد الحياة لمسرح الإسكندرية
تلقيت الخميس الماضي دعوة حضور عرض مسرحي على خشبة مسرح عبد المنعم جابر الواقع على كورنيش الإسكندرية، حيث كانت فرصة طيبة للترويح عن النفس وإسعاد أسرتي الصغيرة وتغيير الروتين اليومي.
عندما تلقيت دعوة حضور عرض مسرحية "سامبو جنن رامبو"، انتابتني حالة من السعادة والشعور بالفرح، ولم تكن الدعوة هي السبب الوحيد لسعادتي، حيث كان سر سعادتي الأكبر هو عودة الحياة مرة أخرى لخشبة مسرح الإسكندرية، وذلك نظرا لغياب الأعمال المسرحية عن مسارح الإسكندرية لسنوات طويلة، خاصة المسرح الخاص الذي كان ينبض بالمرح صيفا وشتاء بمدينة الثغر.
في هذا العام حرص مسرح نجم على الوجود بالموسم الصيفي ٢٠٢٤م لعرض مسرحية "سامبو جنن رامبو"، التي أسهمت في عودة الروح لـ"أبو الفنون"، كما منحتني القدرة على استرجاع ذكريات بدايتي الصحفية، عندما كنت أتنقل وأتجول من مسرح إلى آخر لإجراء الحوارات الصحفية مع النجوم والوجوه الشابة حين ذاك، حيث كانت العروض في ذلك الوقت متنوعة ما بين المسرح الخاص ومسرح الدولة والفنون الشعبية، مما أسهم في إثراء الحركة الفنية بوجه عام والمسرح بوجه خاص.
في الوقت الذي كنت أنتظر فيه فتح الستار خلال هذه المرة كان يدور في ذهني العديد من الأسئلة ومنها: هل شريف ابن الفنان الراحل محمد نجم قادر على تحمل مسؤولية بطولة مسرحية أمام الجمهور السكندري الذواق الذي لا يعرف المجاملة، وهل باقي النجوم المشاركين قادرون على تقديم عرض يناسب الفئات العمرية المختلفة الموجودة بالمسرح، إلا أن هذه الاستفسارات والأسئلة توقفت وقت الإعلان عن بدء الرواية المسرحية وفتح الستار.
بدأت أتابع الرواية المسرحية بشغف وأراقب وجوه الحضور الذين كانت تعلو الابتسامة والبهجة وجوههم، كما امتلأت قاعة المسرح وجنباته بالضحك والتصفيق، حالة فنية مزجت بين الاستمتاع وتحسين المزاج، وبين الترويح والترفيه عن النفس والفرار من ضغوطات الحياة اليومية، ومن الملاحظ أن كل فنان شارك بالمسرحية كانت له طلة تميزه عن الآخر، فكان شريف نجم كالمايسترو على خشبة المسرح "رمانة الميزان" الذي يقوم بضبط إيقاع أحداث الرواية، بينما الفنانة الجميلة شيرين صاحبة الجملة التي خطفت قلوب الجميع في مسرحية المتزوجون “صرصار يا مسعود”، استطاعت بملامحها الرقيقة وخفة ظلها أن تخطف ضحكات الجمهور المعجب بأدائها، أما الفنان نادر أبو الليف فقد أضفى حالة من البهجة على المسرح من خلال أفشاته وأغانيه المتميزة التي تفاعل معها الصغير والكبير، وكانت طلة الفنان علاء زينهم تعكس مدى شعبيته وحب الجمهور لفنه وأدواره المختلفة، كما استطاع الفنان محمد نصر أن يثبت للجميع أنه يمتلك موهبة فنية متميزة، بالإضافة إلى مشاركة المخرج خفيف الظل أيمن خطاب الذي لاقي دوره استحسان الجمهور، وكان ظهور الفنانة الشابة رودينا ينبئ بمولد موهبة فنية، حيث برع المؤلف شريف عوض في كتابة رواية كوميدية تحمل رسالة إنسانية واجتماعية مهمة، استطاع من خلالها أن يجعل كل المشاركين بالعمل أبطالا دون النظر إلى مساحة دور كل منهم.
وفي نهاية العرض استوقفني المثل القائل "اللي خلف ممتش" مثال ينطبق على النجم شريف محمد نجم الذي تربي في كواليس مسرح والده الفنان الراحل محمد نجم، فرغم الجينات الفنية المشتركة بين الأب وابنه، إلا أن حب الإسكندرية والوقوف على خشبة مسارحها كان القاسم المشترك بينهما.
أخيرا وليس آخرا، يُعد المسرح جزءاً لا يتجزأ من هوية عروس البحر الأبيض المتوسط، بكونه شاهدا أصيلا على تاريخها العريق وثقافتها الغنية، بالإضافة إلى أنه يعد من أهم الواجهات الثقافية والفنية في المدينة، لذا من الضروري تضافر جهود جميع الأطراف المعنية من أجل توفير الدعم اللازم للقطاع المسرحي، وتشجيع الإبداع، وتطوير البنية التحتية، حتى تستعيد مسارح الثغر دورها الريادي في إثراء الحياة الثقافية والفنية بالمدينة.
ختاماً.. غياب العروض المسرحية عن مسارح الإسكندرية يشكل عائقا كبيراً أمام إثراء الحركة الثقافية بالمدينة، وهنا لدي العديد من التساؤلات وهي: أين غول الفن؟ هل انسحب ابو الفنون من الساحة الفنية؟ هل قلة الإنتاج المسرحي أصاب الجمهور بالإحباط؟ هل انقلبت الآية وأصبحت السلعة الرديئة تطارد السلعة الجيدة؟ متى تعود الحياة الطبيعية لمسارح الإسكندرية صيفاً وشتاء؟ أسئلة عديدة تحتاج إلى إجابات تثلج صدور السكندريين عشاق الفن وخاصة المسرح.